تشكل الصورة الضوئية العُمانية حضورًا واقعيًّا محليًّا ودوليًّا بوصفها وثيقة بصريّة تكشف عن عمق الهُوية في سلطنة عُمان وثراء المكان وتنوّعه، كما تجسّد الحضور العُماني في المشهد الثقافي والسياحي العالمي من خلال مسابقات دوليّة وعالميّة لتبقى شهادة تؤكد على التنوّع الثقافي والبيئي والسياحي الممتد حيث الجبال الشاهقة مرورًا بالسهول والسواحل المترامية والصحارى الهادئة، كما أسهمت المقوّمات الطبيعيّة في تشكيل بيئة ملهِمة للمُصورين العُمانيين، عزّز ذلك اتساع دائرة الاهتمام المؤسّسي الرّسمي الفنّي بالمشهد العُماني، وهنا باتت الصور الضوئيّة تتصدّر منصّات ومعارض ومسابقات عالميّة تحصد الجوائز وتستقطب الإعجاب.
وتقوم وزارةُ الثّقافة والرّياضة والشّباب ممثّلة بالمديريّة العامّة للفنون بالعديد من المبادرات الاستراتيجية المرتبطة بالفنّانين عامّة والمصوّرين خاصة والتي كان لها الأثر الكبير على ما تشهده الساحة الفنية من نموّ في حجم البرامج والأنشطة النوعية الموجهة للفنانين في مختلف المجالات.
ويؤكّد إبراهيم بن سيف بني عرابة المدير العام المساعد للفنون بوزارة الثّقافة والرّياضة والشّباب على أن:
أبرز المشروعات الاستراتيجية في مجال التصوير الضوئي مسابقة الشباب للتصوير الضوئي التي تنظمها الوزارة تشجيعا للمصورين على ممارسة هوايتهم وإطلاق أعمالهم الفنية للمجتمع والترويج لما تتمتع به سلطنة عُمان من تنوع جيولوجيّ وثقافيّ يقدّمه المصور من خلال عدسته.

وأضاف:
“يمكن اعتبار مسابقة الشباب للتصوير الضوئي المرحلة الأولى لتنمية المهارات في هذا المجال وبوابة الاستعداد لبينالي الشباب الدولي للتصوير الضوئي، حيث يتم طرح فئتين سنيتين في المسابقة (فئة تحت ١٦ سنة وفئة تحت ٢٥ سنة) وهما نفس الفئات السنية المطروحة في بينالي الشباب للتصوير الضوئي ويتم اختيار النخبة من المصورين الفائزين في المسابقة لتمثيل سلطنة عُمان في هذا البينالي”.
وتعزيزا لرفع المهارات الاحترافية في مجال التصوير الضوئي، يوضح المدير العام المساعد للفنون بوزارة الثّقافة والرّياضة والشّباب أنّ:
المديرية العامّة للفنون تطرح سنويًّا دورة احتراف التصوير الضوئي وهي دورة متخصّصة في مجال التصوير وتستهدف المصورين المبتدئين في مجال التصوير لتعلّم أساسيات التصوير ثم تقوم بتأهيلهم من خلال برامج متكاملة لمرحلة الاحتراف تمتد ستة أشهر تتخللها برامج نظرية وعملية بالإضافة إلى تجارب ميدانية، تمكنهم من المشاركة في المسابقات الداخلية والخارجية تعزيزًا لحضور المصور العُماني في جميع المحافل المحليّة والدوليّة.

وأشار إلى أن:
الوزارة تقيم بشكل مستمرّ العديد من معارض التصوير الضوئي على الصعيد المحلي من خلال الفعاليات الفنية المختلفة أو المشاركات الخارجية التي تنفذها الوزارة في العديد من الدول.
ويقول ماهر بن نصير الخصيبي، حاصل على الميدالية الفضية في بينالي الشباب:
“جاءت المشاركة بعد جهد وتخطيط طويل، وهي ثمرة شغف متواصل وحب عميق للفن الفوتوغرافي، ورحلة الإنجاز إلى إيطاليا تمثل حضور العُماني وروحه الأصيلة في ساحة الإبداع العالمي، والكاميرا بالنسبة لي ليست مجرد أداة، بل وسيلة لنقل هُويتنا، وعاداتنا، وتقاليدنا، وتجسيد التراث العُماني الذي يعبر عن عمق الإنسان والمكان في هذه الأرض الطيبة”.
وأضاف:
“نجد أن المصوّر العُماني أصبح يتمتع برؤية فنية خاصة تجمع بين الأصالة والحداثة، وبين التقنيات الحديثة والحسّ الإنساني الدافئ الذي يميز أعماله، والصورة العُمانية غالبًا ما تحمل في طيّاتها رسالة، فهي لا تكتفي بالجمال البصري فقط، بل تنقل قصّة وحالة إنسانيّة تعكس عمق التراث والطبيعة والمجتمع العُماني”.
ووضح أن:
أبرز العوامل التي جعلت الصورة العُمانية قادرة على لفت انتباه لجان التحكيم الدوليّة هي الصدق الفني والروح الإنسانية التي تنبض في كل لقطة، قائلًا: “المصور العُماني لا يبحث فقط عن الجمال، بل عن المعنى، وتجد في صوره تناغمًا بين الضوء والظل، وبين الوجوه والأماكن، وكأنها قصيدة بصريّة تروي حكاية عُمان للعالم، كما أنّ الدعم المؤسّسي والاهتمام بالتصوير كفنّ وثقافة أسهما في تطوير مهارات المصورين، إلى جانب التبادل الثقافي والمشاركات الدوليّة التي صقلت تجاربهم ووسعت آفاقهم”.
من جانبه يقول الوليد بن صالح بن منصور العمري مشارك في بينالي الشباب:
” الصورة العُمانية تمتاز بقدرتها على ملامسة الوجدان الإنساني، فهي ليست مجرد مشهد بصري، بل حكاية تتقاطع فيها الثقافة والمكان والإنسان، وعندما ألتقط صورة، أحرص على أن تحمل ملامح الأرض وروح الإنسان العُماني، سواء في تفاصيل المهن التقليديّة أو في ملامح العاملين أثناء أدائهم لأعمالهم اليومية، هذا البعد العمّالي والثقافي يشكّل محورًا أساسيًّا في أعمالي، لأنه يُجسّد القيم الأصيلة للعُمانيين مثل الجدّ، الصبر، والارتباط بالأرض”.

ويرى العمري أن:
توظيف البيئة والموروث المحلي في الصورة الفوتوغرافية لا يكون بتكرار المشاهد المألوفة فحسب، بل في إعادة قراءتها بصريًّا بطريقة تُظهر العمق الإنساني خلفها، موضحًا رؤيته بقوله: “الصورة الناجحة هي التي تفتح نافذة للعالم ليرى من خلالها ثقافة المكان لا كما تُروى بالكلمات، بل كما تُحسّ بالضوء والظلّ والمشاعر، لذلك، أحرص دائمًا على الدمج بين الجمال الطبيعي لعُمان من الجبال والبحار والقرى القديمة وبين الحياة اليومية البسيطة للناس، لتخرج الصورة مشبعة بروح الأصالة والمعاصرة في آنٍ واحد”.
ويشير إلى أن:
روح الصورة العُمانية تكمن في صدقها قائلًا: “الضوء عندي ليس مجرد عنصر تقني، بل لغة وجدانية تعبّر عن الأمل والامتداد، أما الظلّ فهو مساحة للتأمل والهدوء، وبينهما يتشكل الوجدان الذي يمنح الصورة بُعدها الإنساني، ويجعلها قادرة على التواصل مع المتلقي العالمي دون الحاجة إلى ترجمة”.
وأضاف أنه “في المحافل الدولية مثل “الفياب” والبيناليات، لا أطمح فقط إلى عرض صورة جميلة، بل إلى نقل هُوية سلطنة عُمان كما أراها: بلد يجمع بين الحكاية القديمة والطموح الحديث، بين الجبال الصلبة وقلوب الناس الرحيمة وأومن أن الصورة الصادقة هي أفضل سفير لأي وطن، لأنها تتحدث بلغة عالمية لا تعرف حدودًا جغرافية، وتُظهر للعالم أن في عُمان ثقافة نابضة بالحياة، وموروثًا إنسانيًا متجذرًا في كل تفصيلة من الضوء والظلّ واللون”.
أما وهب بن إبراهيم الكندي الفائز بالميدالية الفضية في بينالي الشباب، فيقول:
“إن تحقيق المصور العُماني لمراكز متقدّمة في المسابقات الدولية، كالبينالي العالمي للتصوير الضوئي (الفياب)، لا يُعدّ مجرد إنجاز شخصي فحسب، بل هو تمثيل واعٍ لروح الإبداع العُماني التي تزداد إشراقًا عامًا بعد عام، وكل عدسة عُمانية تُشارك في المحافل الدولية تحمل في داخلها ملامح الوطن: الضوء العُماني، والبيئة المتنوّعة، والإنسان الذي صاغ الجمال في أدق تفاصيل حياته، ومسؤوليّة المصوّر لا تتوقف عند حدود الصورة، بل تمتد لتصبح رسالة فنيّة وثقافيّة تُعرّف العالم بسلطنة عُمان، بتاريخها وتراثها وعمقها الحضاري.
وأضاف:
“إن تمثيل سلطنة عُمان في مثل هذه المحافل العالمية هو شكل من أشكال الدبلوماسية الثقافية، التي تتجاوز اللغة والكلمات لتخاطب الحسّ الإنساني المشترك عبر الصورة، فالفنان العُماني حين يشارك في فضاءٍ بصريٍّ عالميٍّ، فهو يضع بصمته ضمن حوار كوني عن الجمال والمعنى، مقدّمًا رؤية عُمانيّة أصيلة قادرة على أن تُدهش المتلقي وتُسهم في إثراء المشهد الفوتوغرافي العالمي، لذلك فإن المسؤوليّة هنا لا تقتصر على تحقيق الجوائز أو المراكز، بل تتجلى في الحفاظ على مستوى رفيع من الإبداع والاحتراف، بما يليق بصورة عُمان ومكانتها في هذا المجال”.
ويوضح أنه:
من خلال هذه المشاركات الدولية، تتسع آفاق المصورين العُمانيين، إذ تتيح لهم الاطلاع على تجارب ومدارس فنية من مختلف أنحاء العالم، مما يُغني تجربتهم الشخصية ويُسهم في تطوير الحس الفني لديهم، وإن التجارب تصنع حراكًا بصريًّا داخل سلطنة عُمان، وتلهم أجيالًا جديدة من الشباب العُماني لخوض غمار التصوير الضوئي برؤية أكثر وعيًا ونضجًا.
ويرى الكندي أن:
مسؤولية المصوّر العُماني في المحافل الدولية هي مسؤولية مزدوجة: فنية ووطنية، فنية من حيث الإبداع والإتقان، ووطنية من حيث حمل رسالة الوطن إلى العالم بلغة الصورة، وأن كل إنجاز يتحقق هناك، هو في حقيقته قصة نجاح تُروى بعدسة عُمانية، تُمثّل عُمان بقلبها المفتوح وجمالها الهادئ، وتُضيف سطرًا جديدًا في سجلّ الإبداع العُماني الذي بات اليوم يُشار إليه عالميًا بكل فخر واعتزاز.





