القضاء العُماني عدالة ناجزة مرتكزة على الابتكار والتحول الرقمي

يمضي القضاء العُماني اليوم بثبات نحو ترسيخ عدالة متطورة تعتمد على الكفاءة.
تعبيرية
تعبيرية

الإثنين,10 نوفمبر , 2025 3:27م

تشهد سلطنة عُمان نقلة نوعية في تطوير منظومتها القضائية والتشريعية، تعكس الرؤية السديدة للقيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في بناء دولة المؤسسات والقانون، وترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة، وتعزيز سيادة القانون كأحد الركائز الأساسية لتحقيق رؤية عُمان 2040.

ويمضي القضاء العُماني اليوم بثبات نحو ترسيخ عدالة متطورة تعتمد على الكفاءة، وسرعة الفصل، وتبسيط الإجراءات، بما يواكب متطلبات التنمية الوطنية والتحولات الاقتصادية العالمية.

تعبيرية.

ويمثّل إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة كأول محكمة متخصصة في القضايا الاستثمارية والتجارية، وبدء أعمالها مع العام القضائي 2025 – 2026 خطوةً إستراتيجيةً مهمةً للمنظومة القضائية العُمانية، ويعكس مدى التزام سلطنة عُمان بتطوير منظومتها القضائية التي تسعى إلى تعزيز أولوية التشريع والقضاء والرقابة، وتستهدف بناء منظومة عدلية وقضائية متطورة ومرنة تضمن العدالة والنزاهة وتوحّد الرقابة وتختصر الإجراءات وتسهّل الوصول إلى التقاضي. كما أن وجود قضاءٍ متخصص في الدعاوى الاستثمارية والتجارية من شأنه أن يعزّز إحدى الضمانات الرئيسة للمستثمرين التي لا تنفصل أو تتجزأ عن الضمانات الأخرى كالتشريعات والقوانين المنظمة والمحفّزة للاستثمار، وتحسين مؤشر سهولة ممارسة الأعمال وغيرها، إذ يضمن المستثمر أو التاجر أن تُنظر دعواه من قِبل قاضٍ متخصص يحقّق دقّة الأحكام القضائية، الأمر الذي يعزّز الثقة في النظام القضائي العُماني.

علاوةً على ذلك، فإن وجود جهة قضائية متخصصة يعكس طمأنينةً للمستثمرين والمتقاضين في الأداء القضائي، ويضمن حماية حقوق المستثمرين والتجار ويحدّ من كثرة النزاعات المتفرّعة عنها، بما يسهم في استقرار السوق وتحسين مناخ الأعمال في سلطنة عُمان. فضلًا عن أن الدعاوى الاستثمارية والتجارية لها طابع خاص يميّزها عن غيرها من الدعاوى، ويرجع ذلك إلى طبيعة الاستثمار ذاته والأطراف والقوانين والتشريعات المتفرّعة عنه، كما أن أطراف النزاع التي تشمل شركات متعددة الجنسيات أو حكومات أو مستثمرين أفرادًا أو مبالغ مالية كبيرة أو عقودًا معقدة، تتطلّب فهمًا عميقًا للدعوى للفصل فيها بحكم باتّ في مدة قصيرة حتى لا تلحق بالمستثمرين أو التجار أو الشركات آثارٌ يصعب تداركها بسبب تأخر صدور الأحكام وتنفيذها.

وقد ساهمت جهود التحول الرقمي بالمجلس الأعلى للقضاء في رفع كفاءة العمل وتسهيل وصول المتقاضين للعدالة وتعزيز الابتكار في الخدمات القضائية، حيث نظّم المجلس أعمال البوابة الإلكترونية “قضاء” لتقديم الخدمات القضائية والعدلية، إذ تتميّز المنصة بسهولة الاستخدام وتمكّن الأفراد والباحثين القانونيين والمحامين من قيد الدعاوى ومتابعة إجراءاتها ومواعيد الجلسات وتنفيذ الأحكام. كما تتضمّن البوابة تقنية الاتصال المرئي لخدمات الكاتب بالعدل، التي تتيح الاستفادة من خدمات الكاتب بالعدل دون الحاجة إلى الحضور الشخصي، من خلال التحقق المرئي من هوية صاحب العلاقة وأهليته. وتتكامل بوابة “قضاء” مع بيانات عدد من الجهات ذات العلاقة، منها شرطة عُمان السلطانية ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني ووزارة العمل ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لتسهيل تنفيذ الأحكام.

كما دشّن المجلس خدمة دفع مستحقات تنفيذ الأحكام القضائية عبر أجهزة وتطبيقات الدفع الإلكترونية، مع إتاحة رفع وإلغاء أوامر الحجز تلقائيًّا عند دفع تلك المستحقات.

وفي إطار تعزيز المعرفة القضائية، دشّن المجلس مكتبة قضائية رقمية متخصصة تم ربطها بمصادر المعرفة داخل سلطنة عُمان وخارجها لتكون مرجعًا علميًّا قانونيًّا موثوقًا يخدم القضاة والقانونيين وطلاب القانون والباحثين، وتهدف المكتبة إلى تمكين القضاة والباحثين القانونيين من الوصول الذكي والسريع إلى الأحكام القضائية والمراجع العدلية، وترسيخ بيئة قضائية قائمة على المعرفة، ودعم بناء قدرات القضاة والمهنيين في المجال القانوني عبر أدوات ذكية متطورة.

وتقدّم المكتبة منصة إلكترونية متقدمة تشمل محرك بحث ذكيًّا يتيح للمستخدمين الوصول إلى الأحكام والسوابق القضائية بدقة ومرونة، وقاعدة بيانات متكاملة تضمّ جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم يتم تحديثها بشكل مستمر، إضافة إلى خدمة الاطلاع على السوابق القضائية لتحسين جودة العمل القضائي ودعم اتخاذ القرار، والتوسع في إصدارات المكتب الفني القضائي من شروحات وتعقيبات ومبادئ قانونية، مع إمكانية التكامل مع مكتبات قانونية محلية ودولية لتوفير مصادر مرجعية موسّعة.

ويُجرى العمل حاليًّا على بناء منظومة قضائية ذكية تشمل عقد جلسات الدعوى عن بُعد في بيئة تقنية عالية الأمان، وتُسهم هذه التقنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مساعدة القضاة على توثيق محاضر الجلسات، والتنبؤ بالأحكام القضائية، وتسريع الصياغة الأولية للأحكام وتلخيص القضايا. كما تساعد المتقاضين على تقليل أعباء التنقل والجهد والزمن والكلفة المالية، وتمكينهم من الترافع من أي مكان. ويعمل المجلس حاليًّا على تبنّي التقنيات الناشئة لتطوير المرفق القضائي كتفعيل تقنية “البلوك تشين” لتعزيز موثوقية الأدلة الرقمية وإنشاء سجل قضائي آمن وشفاف، وتوظيف الواقع الافتراضي في إجراءات المحاكم، وتطوير نماذج لغوية قضائية متخصصة تمثل الجيل القادم من المساعدين الأذكياء القادرين على توفير مساعدة قضائية متخصصة، والتدقيق الذكي للمذكرات القانونية ودعم تطبيقات خدمة الجمهور، وذلك بهدف الارتقاء بكفاءة العمل القضائي وتكريس العدالة الناجزة.

ويمضي المجلس الأعلى للقضاء في تنفيذ خطته الإستراتيجية بعيدة المدى (2024 – 2040) الهادفة إلى ترسيخ منظومة قضائية عُمانية حديثة تُجسّد الثقة محليًّا ودوليًّا.

وترتكز الخطة على تحديث التشريعات المرتبطة بعمل القضاء، والتوسع في مجالات القضاء المتخصص والبديل، بما يشمل التحكيم، ولجان التوفيق والمصالحة، ولجان المنازعات الإيجارية والعمالية، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

ويواصل المجلس تطوير أعمال الخبرة القضائية ومكتب تهيئة الدعوى لتسريع الفصل في المنازعات، إلى جانب الارتقاء بالبنية الأساسية للمحاكم وفق أعلى المعايير الفنية والتقنية، ورفدها بكفاءات وطنية مؤهلة.

كما يحظى التدريب المتخصص للقضاة وأعوانهم، داخل سلطنة عُمان وخارجها، بأولوية قصوى لضمان جودة الأداء وتسريع وتيرة العمل القضائي.

وعلى مستوى مشاريع البنية الأساسية، طرح المجلس خلال عامي 2024 و2025 عددًا من المناقصات تتضمّن إنشاء وتصميم وطرح مناقصات لمجمّعات محاكم جديدة كمجمع محاكم السيب ومجمع محاكم مسندم ومحكمتي سمائل وأدم، وتحديث وتأهيل المرافق القائمة كمجمع محاكم صلالة، بما يتوافق مع الرؤية المستقبلية للمجلس في تطوير بيئة العمل القضائي.

وتعكس هذه المنجزات التزام سلطنة عُمان ببناء منظومة قضائية متقدمة تواكب المتغيرات العالمية، وتعزّز الثقة في بيئة الأعمال، وترسّخ قيم الشفافية والنزاهة، بما يسهم في تحقيق العدالة الناجزة.