مختصون: التفاعل المسؤول بمنصات التواصل يعزز الاستقرار والثقة المجتمعية

الدكتورة صابرة: المسؤولية الجماعية تُبرز أيضًا في حاجة المجتمع إلى معايير مشتركة تحكم التفاعل الرقمي.
تعبيرية
تعبيرية

السبت,27 ديسمبر , 2025 3:39م

 تُعدُّ الأمانة والموضوعية والصدق والتفاعل المسؤول والواعي مع القضايا المجتمعية عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي أحد العوامل المهمة المساهمة في تعزيز الثقة وتقريب المسافات وتجاوز التحدّيات وإيجاد الحلول.

ويمثّل تأكيدُ حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال لقائه رئيسَ وأعضاءَ مكتبِ مجلسِ الدولة، على أهمية التفاعل مع قضايا المجتمع والتحدّيات القائمة، وإيصال الرسائل الصحيحة والمناسبة بشأن القضايا المطروحة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، نهجًا راسخًا في تعزيز التواصل الفاعل، وترسيخ الشفافية، وتوضيح الجهود المبذولة وما تحقق من منجزات ومكتسبات على المستوى الوطني.

وأكّد عدد من المختصين والمعنيين لوكالة الأنباء العُمانية على أنّ:

إعلاء هذه المبادئ في التعامل مع القضايا المطروحة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ذو أهمية بالغة نظرًا لهذا الفضاء الذي يُتيح مسارات مختلفة ومتعددة في الطرح غير المسؤول.

وقالت الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية أكاديمية وباحثة تربوية إنّ:

التعامل مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لم يُعد شأنًا فرديًا معزولًا، لأن أثر الكلمة اليوم لا يتوقف عند صاحبها، بل يمتد ليصوغ الرأي العام، ويؤثر في السلم الاجتماعي، ويُعيد تشكيل الوعي الجمعي. فكل تفاعل رقمي، مهما بدا بسيطًا، يُسهم في تغذية خوارزميات الانتشار، ويُشارك بوعي أو دون وعي في توسيع أثر المحتوى داخل المجتمع.

الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية.

وأضافت أنّ:

المحتوى لا يعمل في فراغ، بل يتحرك داخل بيئة اجتماعية وثقافية تتأثر بتراكم المشاركات، وأنماط التفاعل، ومستوى الوعي العام.ومن هنا تصبح مسؤولية التعامل معه مسؤولية جماعية، لأن السلوك الفردي حين يتكرر يتحول إلى ظاهرة، وحين تتكاثر الظواهر تتغير ملامح الخطاب العام.

ونبّهت أنّ:

المسؤولية الجماعية تُبرز أيضًا في حاجة المجتمع إلى معايير مشتركة تحكم التفاعل الرقمي، وتوازن بين حرية التعبير وحماية القيم، وهي معايير لا تبنى بقرارات فردية، بل بتوافق ثقافي ومؤسسي يعزز السلوك المسؤول.

وأكّدت أنّ:

التعامل مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مسؤولية جماعية لأن الفضاء الرقمي مساحة مشتركة، ولأن الوعي فيه لا يصنع بقرار فردي، بل بتراكم سلوكيات، وتكامل أدوار، وثقافة عامة تجعل من الاستخدام المسؤول قيمة مجتمعية، لا خيارًا شخصيًا فحسب.

وأشارت إلى أنه:

في ظل تحول هذه المنصات إلى فضاء مفتوح تتداخل فيه الآراء بالمعلومات، ويتقدم فيه التأثير أحيانًا على الحقيقة سرعة انتشار المحتوى المضلل والشائعات، إذ غالبًا ما تسبق الأخبار غير الدقيقة جهود التصحيح المؤسسي، ما يُربك الرأي العام ويؤثر في مسار النقاش قبل أن تتضح الصورة، خاصة في ظل ضعف مهارات التحقق النقدي لدى نطاق واسع من المستخدمين.

وأشارت إلى أنّ:

حرية التعبير تقوم على الموازنة عبر النقاش المنظم والمسؤول، والإدراك بأنّ التعبير ليس فعلًا معزولًا، بل ممارسة اجتماعية لها أثرها في تشكيل الرأي العام والعلاقات المجتمعية، مؤكدة أن حرية التعبير في الفضاء الرقمي حق أصيل، لكنها لا تنفصل عن المسؤولية الأخلاقية والسلوكية، ولا تمارس بمعزل عن السياق العام الذي تتحرك فيه الكلمة وتنتشر عبره.

وأكّدت أنّ:

المجتمع العُماني عُرِف باتزانه في الخطاب واحترامه للاختلاف، وهي سمة يشهد لها الواقع الاجتماعي والحضور الرقمي على حدًّ سواء، وتنعكس في ضبط الكلمة وحسن إدارة الخلاف، مقارنة بما يسود بعض الفضاءات الرقمية من حدة واستقطاب. ولم يكن هذا الاتزان قائمًا على كبت الرأي أو تجنب النقاش، بل على إدارة الاختلاف بحكمة، وهو رصيد ثقافي يمكن البناء عليه في الفضاء الرقمي، حتى تبقى حرية التعبير ممارسة واعية لا مدخلًا للفوضى أو الإساءة.

وشدّدت على أنّ:

الحفاظ على نقاش منظم ومسؤول لا يتعارض مع حرية التعبير، بل يضمن استمراريتها في بيئة صحية تحترم الرأي وتحمي المجتمع في آن واحد، وتبقي الكلمة في مكانها الصحيح بوصفها وسيلة للتفاهم والبناء، لا أداة للتشويش أو الانقسام.

وقال راشد بن عبدالله الشيذاني، باحث في الرأي العام:

إنّ التواصل المسؤول يُعزّز الثقة، ويقلل الفجوة بين الحكومة والمجتمع، ويحدُّ من انتشار المعلومات المغلوطة والبيانات غير الدقيقة بين أفراد المجتمع، مما يقوي التواصل والتماسك المجتمعي واستقراره، ويرفع مستوى الوعي المجتمعي، وترسيخ ثقافة الحوار واحترام الرأي، ويُسهم في تعزيز اللحمة الوطنية والاستقرار الاجتماعي.

راشد بن عبدالله الشيذاني.

وأضاف أنّ:

وعي المواطنين أساس تماسك المجتمع واستقراره، فعندما يتفاعل المواطنون بمسؤولية تجاه قضاياهم المجتمعية، يساعد ذلك على إيصال الرسالة الصحيحة للجهة المعنية دون صخب أو تشويش، مما يزيد من فرصهم في المشاركة الوطنية لصنع القرارات واتخاذها حول تلك القضايا والموضوعات، حتى نوجد مجتمعًا متماسكًا قادرًا على التفاعل والمشاركة بمسؤولية تجاه تطلعاته، ليكون شريكًا فاعلاً في التنمية، وملتزمًا بالقيم الوطنية، ومتزنًا في التفاعل مع قضاياه الوطنية.

وبيّن أنّ:

المؤسسات الحكومية في سلطنة عُمان تبنت فلسفة المشاركة المجتمعية في صنع القرارات من خلال عدة منهجيات، مثل إطلاق الحوارات، وتعزيز التواصل الحكومي مع المجتمع، وتنظيم المنتديات والملتقيات ودعمها، التي بدورها ساعدت في التخطيط لصنع القرار واتخاذه.

وأشار إلى أنّ:

الشائعات والأفكار المغلوطة تضعف الثقة بين أفراد المجتمع، وتهدد الهُوية الوطنية، وتربك القيم المجتمعية، وتشوّه الوعي المجتمعي، وتسيء للمبادئ القائمة على الاحترام والمسؤولية، وبالتالي هناك ضرورة لدحضها سريعًا من خلال الاستجابة بكفاءة وبمنتهى الشفافية والدقة؛ لضمان عدم انتشارها في المجتمع.

من جانبه يرى الدكتور أحمد مراد، الفاعل بمنصات التواصل الاجتماعي، أن:

التعامل غير المسؤول مع القضايا يكمن في التعامل السريع معها وهي غير مكتملة التفاصيل أو أنها طُرحت من زاوية واحدة فقط، وهنا تكمن الإشكالية في التسرّع بالحكم أو الطرح بدافع السبق.

الدكتور أحمد مراد.

ووضّح أنّ:

المسؤولية المهنية والأخلاقية تفرض التحقق من الموضوع من جميع جوانبه، واستقاء المعلومة من مصدرها الرسمي قبل أن تطرح الآراء، لأن القيمة الحقيقية لا تكمن في أن نكون أول من يتحدث، بل في أن نكون الأكثر دقة ووعيًا وتأثيرًا عندما نتحدث، بعد سماع جميع الأطراف وتكوين صورة متكاملة عن القضية.

وفيما يتعلق بصناعة التأثير، بيّن أنّ:

الحفاظ على المصداقية بعيدًا عن منطق تضخيم الأزمات يُعد من أهم التحدّيات التي تواجه الفاعل في منصات التواصل الاجتماعي، حيث يميل البعض إلى تضخيم القضايا بهدف تحقيق تفاعل أكبر أو رفع مستوى الجدل، لافتًا إلى أن هذا الأسلوب يؤدي إلى نتائج سلبية.

وأكّد على أنّ:

الفاعل المسؤول في منصات التواصل الاجتماعية من ينقل الواقع كما هو، دون تهويل أو تقليل، ويحافظ على طرح متزن يعكس حقيقة الموقف، مضيفًا أن المصداقية تُبنى عندما يشعر الجمهور أن الطرح منطقي، وأن الهدف منه التوضيح لا الإثارة.

وقال المحامي حمود بن عبدالله المخيني:

يُعدُّ النظام الأساسي للدولة الإطار الدستوري لحرية التعبير في سلطنة عُمان، إذ قررت المادة (35) منه أن حرية الرأي والتعبير مكفولة، لكنها قيّدتها صراحة بعبارة “في حدود القانون”، وهي عبارة تعكس فلسفة المشرّع في إقرار حرية التعبير مقرونة بالمسؤولية ومقيّدة بالقانون، علمًا أن هذا القيد لا يُفرغ الحرية من مضمونها، بل يضع لها ضوابط تحمي النظام العام وأمن الدولة، وكرامة الأفراد وحقوقهم، وتحفظ حرمة الحياة الخاصة.

المحامي حمود بن عبدالله المخيني.

وأضاف أنه:

في ظل انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأفراد من أجل التعبير عن مختلف قضايا المجتمع والحياة العامة، وتوجيه النقد لبعض الممارسات، أو طرح مشكلاتهم لمناقشتها أو إيصالها للجهات الحكومية المختصة، فإن هذا التعبير قد ينحى بالبعض إلى التشهير بالآخرين – أفرادًا ومؤسسات حكومية وخاصة – أو تجريحهم أو الاعتداء على حرماتهم الخاصة أو نشر أخبار عنهم حتى ولو كانت صحيحة، وهنا يأتي دور القانون في توفيق التوازن بين حماية حرية التعبير ومنع مثل هذه التجاوزات.

وأفاد بأنه:

يكون لصاحب القضية/الشكوى الحق في التعبير عن رأيه أو عرض شكواه علنًا في وسائل التواصل الاجتماعي طالما لا يوجد نص تشريعي يجرم هذا التصرف، ومن ذلك حقه في انتقاد أداء أي مؤسسة أو جهة بشرط أن يلتزم بعدم توجيه اتهامات تمس السمعة أو الكرامة، حتى لو كانت الوقائع صحيحة، أو المساس بالحياة الخاصة للآخرين، وهو ما أكّدته المادة (16) من قانون جرائم تقنية المعلومات التي جرّمت الاعتداء على الخصوصية أو السب والقذف عبر الوسائل الرقمية.

ولفت أنّ:

المنصّات الإعلامية الرقمية مثل الحسابات الإخبارية، هي منصات يفترض أن تكون مرخصة من وزارة الإعلام، وبالتالي تخضع في ممارسة أنشطتها لقانون الإعلام الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم 58 / 2024، وهي تخضع من حيث المبدأ للقيود العامة على المحتوى، لا سيما ما يؤدي إلى التضليل، أو نشر ما يتم حظره رسميًا، أو المساس بالآداب العامة، وفق المادة (4) من قانون الإعلام ويبرز دورها كوسيط يلتزم بسياسات النشر والاستجابة للتوجيهات القانونية دون فرض رقابة مسبقة على الرأي.

وذكر أنه:

بالنسبة للجهات الرسمية المعنية بالشكوى أو القضية المثارة في الرأي العام، فإننا نرى أن تفاعلها مع القضايا المطروحة في وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي أن يكون تفاعلًا إيجابيًا مشجعًا على ثقافة النقد البناء والتعاون المجتمعي، وأن يتم اعتبار هذه المنصات صندوقًا رقميًا للشكاوى، يتمُّ من خلالها إيجاد الحلول المناسبة ومعالجة الأخطاء المحتملة، دون أن يخل ذلك بحق الجهة الرسمية في المساءلة الجزائية لكل من يتجاوز الحدود القانونية لحرية التعبير.

و وضّح أنّ:

القانون العُماني لا يقف ضد “صوت المجتمع”، بل يحميه ما دام يمارس ضمن إطار يحترم الحقيقة دون تضليل، والخصوصية وكرامة الإنسان دون اعتداء، خصوصًا إذا ما علمنا أن قانون جرائم تقنية المعلومات العُماني لا يجرّم حرية الرأي، بل يجرّم المساس بالحياة الخاصة، والسب والقذف، والإخلال بالقيم الدينية أو النظام العام، وهو الأمر الذي يضمن بقاء الفضاء الرقمي حيًا ومؤثرًا دون أن يتحول إلى ساحة انتهاك أو فوضى.

ولفت إلى أنه:

بالرغم من أن الجهات الحكومية قد سعت جاهدة لإيصال صوت المجتمع إليها، وأطلقت لذلك منصة (تجاوب) الرقمية التي تمكن الأفراد من تقديم الشكاوى عبر منصة رقمية متكاملة، إلا أنه يمكن بناء مسار قانوني متوازن يُحوّل التفاعل الرقمي في وسائل التواصل الاجتماعي من حالة إعلامية عشوائية إلى أداة مؤسسية فعّالة، وذلك من خلال اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي منصة بلاغ مجتمعي، يلتزم فيها الناشر بممارسة حرية التعبير دون تجاوز، وتلتزم الجهات الرسمية بالتفاعل مع الطرح من خلال فريق مخصص تكون مهمته التفاعل مع مختلف القضايا المنشورة بشكل إيجابي يهدف إلى إيجاد الحلول، بحيث تلتزم المؤسسات الخدمية بفتح مسارات واضحة لاستقبال الشكاوى المثارة في الرأي العام، ومن ثم التعامل معها أو إيصالها للجهات المعنية بها.