تشهد المقومات التراثية في مختلف محافظات سلطنة عُمان اهتمامًا واسعًا من قبل فئة الشباب، يتمثل في استثمارها ودمجها مع منتجاتهم وخدماتهم بطابع تراثي يحقق القيمة الاقتصادية ويعزز الهوية الوطنية.
وبحسب هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، فإن رواد الأعمال الشباب في مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عُمان يسهمون في بناء اقتصاد وطني أكثر مرونة وابتكارًا لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث تولي الهيئة أهمية كبيرة لهذا القطاع باعتباره ركيزة أساسية للتنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل، خاصة لفئة الشباب، وكذلك صياغة خطط لبرامج ومبادرات تستهدف فئات متنوعة من الباحثين عن العمل وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الحرفية والحرفيين والشركات الناشئة وأصحاب الأفكار الابتكارية، ووصولًا إلى طلبة المدارس والكليات والجامعات وأيضًا رواد الأعمال من ذوي الإعاقة في مختلف محافظات سلطنة عُمان لضمان وصول الخدمات حسب الاحتياجات.

وتعمل “ريادة” على مواكبة التحولات في السوقين الوطني والإقليمي من خلال التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل التقنية والابتكار والسياحة والزراعة الحديثة والصناعات التحويلية والإبداعية، حيث أطلقت عددًا من المبادرات والبرامج الاستراتيجية، كتأسيس برنامج خاص لدعم الشركات الناشئة الواعدة، إلى جانب تخصيص 10 بالمائة من رأسمال صندوق “عُمان المستقبل” لتمويل رواد الأعمال، وزيادة حصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الإنفاق الحكومي، وتعزيز الاستفادة من المحتوى المحلي، وذلك في إطار التوجه نحو اللامركزية وتأسيس مراكز ريادة أعمال ومسرعات أعمال في مختلف المحافظات مع ربط التمويل بالميزات التنافسية لكل محافظة، مما ساهم في دفع عجلة تأسيس المشاريع الجديدة في مختلف أنحاء سلطنة عُمان.
ومن بين النماذج لاستثمار المواقع التراثية وتحويلها إلى منتج اقتصادي ناجح، مشروع إحياء “حارة العقر التاريخية” بولاية نزوى بمحافظة الداخلية، فقد استطاع أن يكون نموذجًا نوعيًا لتوظيف الإرث المعماري في التنمية الاقتصادية، حيث بادر عدد من رواد الأعمال الشباب إلى ترميم البيوت القديمة وتحويلها إلى نُزل ومطاعم ومتاجر للحرف اليدوية، مع الحفاظ على الطابع التراثي الذي تتميز به الحارة، لتسهم هذه الجهود في جذب الزوار والسياح وتوفير فرص عمل للعمانيين، فضلًا عن إقامة فعاليات ثقافية وفنية تعكس تاريخ نزوى العريق.

وقال أفلح النبهاني، صاحب مشروع “نُزل الدار” بحارة العقر في ولاية نزوى، إن:
النُزل يعكس روح العمارة العُمانية الأصيلة، ويقدّم تجربة إقامة للزوّار تجمع بين الطابع التراثي واللمسات العصرية، ويضم مجموعة من الغرف التراثية، ومجالس للضيافة، ومرافق مخصصة للفعاليات الثقافية والاجتماعية، وينظم برامج وأنشطة مرتبطة بالتراث والسياحة الداخلية، ليكون وجهة متكاملة للزوار المحليين والسائحين من مختلف دول العالم.
وأضاف النبهاني أنه:
يوجد لديهم مشروع آخر في حارة العقر وهو مشروع “دختر”، يُعنى بالصحة ويقدّم خدمات الطب البديل والعلاج التقليدي لإعادة إحياء الممارسات العلاجية الطبيعية التي عُرفت بها المنطقة منذ القدم، وكذلك دعم السياحة العلاجية في نزوى كوجهة تجمع بين الاسترخاء والهوية الثقافية، والجمع بين الطب التراثي وأساليب العناية الحديثة لتقديم تجربة متكاملة للزوار والاستفادة من المبنى التراثي الذي له تاريخ طبي قديم يعود إلى أربعينيات القرن الماضي حين استُخدم كعيادة تقليدية.

ومن جهته قال خالد بن أحمد العامري صاحب مشروع “لبان الريان” المتخصص في بيع العطور والبخور ومنتجات اللبان العُماني في محافظة ظفار إن:
المشروع يجسّد امتدادًا لمهنة توارثها عن آبائه وأجداده، الذين عُرفوا ببيع أجود أنواع اللبان العُماني داخل سلطنة عُمان وخارجها، مؤكّدًا أن الفكرة انطلقت من الحرص على استدامة هذا الموروث وتطويره بما يتناسب مع متطلبات العصر.
وأوضح أن:
منتجاته توسعت لتشمل مجموعة متنوعة من المشتقات المستخلصة من اللبان العُماني مثل الزيت والماء المقطر والصابون والتونر، ومستحضرات التجميل.

كما تشهد ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية مبادرات شبابية رائدة لتحويل المنازل والحارات القديمة إلى بيوت ضيافة ومتاحف صغيرة، بالإضافة إلى تنظيم مسارات سياحية جبلية لمحبي (الهايكينج)، الأمر الذي أسهم في إبراز الطبيعة الجبلية الفريدة للولاية، ودعم أصحاب الحرف التقليدية في تسويق منتجاتهم للسياح.