تشهد القرى الجبلية بمحافظة ظفار خلال موسم الخريف تحوّلًا طبيعيًّا استثنائيًّا، حيث تنبعث الحياة بين السفوح المكسوّة بالخُضرة والضباب، وتدبّ الحركة في أرجاء الريف مع أولى نسائم المطر، في مشهد يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والبيئة.

ويُعد موسم الخريف في محافظة ظفار محطة سنوية مهمة في دورة الحياة الريفية، إذ تتجدّد فيه العادات والتقاليد، وتُستعاد الاستعدادات المتوارثة، وتتجلّى مظاهر التلاحم المجتمعي والاعتماد على الموارد الطبيعية، وفقًا لما أكده عددٌ من المواطنين لوكالة الأنباء العُمانية.

ويقول بخيت بن سعيد دعن الشحري:
“الخريف هو رزقنا، نستعد له منذ بداية يونيو؛ إذ كنا في الماضي نُصلح الحظائر، ونجمع الحطب، ونوفّر الأعلاف، ونُهيّئ خزّانات المياه لجمع مياه الأمطار التي نعتمد عليها للشرب والطهي طوال الموسم”.

وفي جانب الرعي، يتبع مربّو الإبل نمطًا موسميًّا يتكيّف مع طبيعة الطقس، ويوضح سعيد بن محمد المشيخي، أحد ملاك الإبل، أن الرعاة ينتقلون بالإبل إلى المناطق الأقل رطوبة مثل مناطق القطن خلف الجبال والسهول، ثم يعيدونها إلى الجبال بعد توقّف الأمطار، مع اختيار مسارات الرعي يوميًّا بناءً على وفرة الأعشاب.
ويُشكّل “المُخراف” – وهو مأوى مؤقّت لمبيت الإبل – ملتقى اجتماعيًّا يستقبل فيه الضيوف وتُقدَّم فيه منتجات المراعي كالحليب، كما يُعدّ ساحة لتبادل الأحاديث اليومية.

من جانبه، أشار سالم بن مسلم العمري إلى أن:
موسم الخريف يجمع بين الزراعة والسياحة والروحانية، لافتًا إلى أن القرى الجبلية تشهد خلال هذا الموسم توافد الزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها، مما يُسهم في تعزيز النشاط المجتمعي، ويدفع العديد من الموظفين لتخصيص إجازاتهم السنوية خلال هذه الفترة.

وتؤدي المرأة الريفية دورًا مهمًا في تنظيم الحياة خلال هذا الموسم، عبر الزراعة، والحِرَف التقليدية، وتحضير المنتجات المحلية وتقول ميزون أجهام الشحرية: “كنا نغطي أكواخ الأبقار (الدُقُف) بالعشب والأسمدة، ونُجهز الجلود لخضّ الحليب وإنتاج السمن البلدي، كما نخيط الملابس التقليدية للمناسبات، إذ يُعدّ الخريف موسمًا للأعراس والزيارات”.

وأضافت أن:
تطوّر البنية الأساسية والخدمات الحديثة غيّر نمط الحياة في الريف، إذ أصبحت المنازل والحظائر أكثر تجهيزًا، وتوفّرت المياه والأدوات الكهربائية، ما أتاح للنساء التفرغ للزراعة، لا سيما زراعة محاصيل مثل اللوبيا (الدُّوجَر)، والذرة (المهيندي)، والدُّخن (ذيرِت).
ويُمثّل موسم الخريف في محافظة ظفار مشهدًا متجددًا للحياة في أحضان الطبيعة، ويعكس استمرارية الممارسات والتقاليد التي توارثتها الأجيال، جامعًا في كل عام بين الأصالة والتجدد، وبين الإنسان والمكان.