مختصون: المتاحف نافذة للتنمية السياحية وإيصال الهوية الثقافية للشعوب

الكندي: يُعرّف المتحف على أنه حيز مكاني أوجد لتقديم حضارة إنسانية وثقافة لبلد ما.
أعمال المؤتمر الدولي
أعمال المؤتمر الدولي

الإثنين,19 مايو , 2025 1:23م

يرى عدد من المختصين في الشأن التراثي المتحفي والثقافي الإنساني، المشاركين في أعمال المؤتمر الدولي “المتاحف ودورها في التنمية السياحية” بمتحف عُمان عبر الزمان بولاية منح بمحافظة الداخلية والذي تختتم أعماله غدًا، أن ما يمكن أن تعمل عليه المتاحف بوصفها إحدى أدوات القوة الناعمة لدى الأمم، من خلال أدوارها في التنمية السياحية وإيصال الهوية الثقافية للشعوب، لتكون أكثر حضورًا ووقعًا خارج إطارها الجغرافي، يتمثل في العديد من النقاط الممكنة بما فيها وضع الاستراتيجيات وخطط التواصل والاتصال واستخدام التقنيات الحديثة من أجل تعزيز وجودها وإيصال رسالتها التي قامت من أجلها.

وقال المكرم الدكتور عبدالله بن خميس الكندي المتحدث الرسمي في المؤتمر الدولي:

يُعرّف المتحف على أنه حيز مكاني أوجد لتقديم حضارة إنسانية وثقافة لبلد ما، فهو عادة ما يكون مؤسسة ثقافية اعتبارية تحمل رسالة وأهدافًا ورؤية تسعى من خلالها إلى تمثيل التراث الثقافي والإنساني على المستويين المحلي والدولي. وهو حاضنة أساسية لنقل الرؤى الإنسانية إلى المجتمعات والشعوب، ويشكّل أداة فعّالة في إطار ما يُعرف بـ “الدبلوماسية العامة” أو “القوة الناعمة”.

وأضاف:

وفي مقابل القوة المادية الصلبة، تأتي القوة الناعمة كوسيلة تتجسد في الثقافة، والإعلام، والهوية، وسائر المكونات التي تُعبر عن روح الشعوب أمام العالم. فعندما نتحدث عن متحف يقدم هوية سلطنة عُمان للعالم، أو حين يأتي الزائر لاكتشاف جوهر هذا المتحف، فنحن أمام صورة بصرية تنقل رسالة واضحة إلى الخارج مفادها أن عُمان بلد ذو حضارة تمتد لأكثر من 4000 عام، يزخر بالمكونات الثقافية والفكرية التي شكلت حياة الإنسان العُماني عبر العصور.

ووضح:

هذا الإنسان الذي عاش وتفاعل مع بيئته التاريخية والطبيعية والاجتماعية، يمثل اليوم جوهر القوة الناعمة العُمانية، إذ لا توجد أداة تعبيرية أبلغ من المتحف لتقديم هذه الرسالة الحضارية إلى الآخر. وفي ظل التنافس الدولي في مجال إبراز العمق الحضاري والثقافي، تصبح هذه القوة الناعمة ركيزة للاستمرارية والاستدامة، ووسيلة لتمكين الشعوب من استثمار ماضيها في صناعة مستقبلها.

وأضاف:

تضم سلطنة عُمان أكثر من (112) متحفًا متنوعًا، تتراوح بين المتاحف الرسمية والحكومية، والخاصة، والعامة، والمتخصصة، وتعد هذه المنظومة المتحفية رصيدًا ثقافيًّا يجب توظيفه بفاعلية ضمن سياق القوة الناعمة. لتحقيق ذلك، فإن هذه المتاحف بحاجة إلى استراتيجيات ممكنة لها وواضحة، وخطط تواصل واتصال، إضافة إلى صناعة محتوى مبتكر يعبّر عن هذه الهوية بأساليب حديثة. يجب الانفتاح على أدوات العصر التي نشهدها اليوم، بما فيها الذكاء الاصطناعي، والتواصل مع المؤثرين وصنّاع المحتوى للوصول إلى العالم.

أعمال المؤتمر الدولي.

في السياق ذاته يقول الدكتور ظريبوف علي شير نجم الدين من المتحف الوطني بطاجيكستان:

تعد المتاحف من أهم أدوات القوة الناعمة على المستوى العالمي، كونها قادرة على تقديم الثقافة والتاريخ والهوية الوطنية بشكل مؤثّر، وتتمثل أدوارها في التنمية السياحية والحفاظ على الهوية الثقافية في نقاط متعددة منها، تعزيز السياحة الثقافية، فهي أدوات جذب السياح المحليين والزائرين المهتمين بالتعرف على التاريخ والثقافة لأي بلد، ما يسهم تنمية الاقتصاد المحلي، كما أنها تنقل الهوية الثقافية الوطنية وتبرز القيم الإنسانية ويمكن العمل على ذلك من خلال استغلال التقنية ما يساعد الزوار على فهم أعمق للثقافة الوطنية.

وبيّن علي شير نجم الدين أنه:

باستخدام التقنيات الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تصبح المتاحف أكثر تأثيرًا وانتشارًا خارج حدودها الجغرافية، من خلال إنشاء جولات افتراضية للسياح الذين لا يستطيعون الحضور شخصيًا، واستخدام لغات متعددة لتوفير المعلومات بشكل شامل ومتاح للجميع، وتقديم تجارب تفاعلية باستخدام مرشدين افتراضيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي. وإيجاد تجربة مخصصة لكل زائر، حيث يركز الذكاء الاصطناعي على اهتماماته الشخصية.

وقال إن:

العمل على الذكاء الاصطناعي يوجد نتائج تعزز زيادة أعداد السياح والعائدات السياحية، مع الانتشار الأوسع للهوية والثقافة الوطنية عالميًّا. وتعزيز الدور الثقافي والدبلوماسي للدول من خلال أدوات القوة الناعمة.

جانب من أعمال المؤتمر الدولي.

كما أشار الأستاذ الدكتور محمد بن علي البلوشي رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي “المتاحف ودورها في التنمية السياحية” إلى أن:

المتاحف في جوهرها، ليست مجرد أوعية للذاكرة، بل هي منصّات حيوية لتوليد المعنى، ونوافذ تطلّ على الذات وعلى الآخر، إنها فضاءات تبثّ الشعوب من خلالها سردياتها؛ جاعلة من تراثها خطابًا حيًّا ومسموعًا. لقد كانت المتاحف على الدوام من بين أهم أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها الأمم، فهي تستطيع أن تعيد تشكيل سيرة الشعوب لا عبر استعراض أحداث الماضي فحسب، بل عبر استشراف المستقبل أيضًا. إنها لا تقدم الهوية الثقافية بوصفها أثرًا جامدًا، بل كفكرة حيّة قابلة للتجدد.

وأضاف:

في عالم اليوم حيث تتقاطع خطوط الطول والعرض الجغرافية مع الخطوط اللانهائية للشبكات الرقمية، أصبحت المتاحف أكثر قدرة على تجاوز جدرانها المادية وعلى تجاوز الزمان والمكان، وأكثر استطاعة للوصول إلى أبعد العوالم عبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة الأخرى. وهذا ما يناقشه مؤتمر المتاحف ودورها في التنمية السياحية، المنعقد في متحف عُمان عبر الزمان، حيث سيناقش الباحثون أدوار المتحف ليس بوصفه مستودعًا لبقايا الماضي فحسب، بل كفاعل ثقافي واقتصادي قادر على التأثير في الوعي الجمعي محليًا وعالميًا. لقد تحوّل المتحف من مجرد مساحة رائعة للتأمل الإنساني إلى جسر يربط بين الشعوب، ويولّد فرصًا تنموية من واقع الثقافة، والتي يأتي في مقدمتها التنمية السياحية. كذلك، عززت المتاحف اليوم مكانتها الفاعلة في الدبلوماسية الثقافية؛ فهي تُسهم في إعادة تشكيل صورة الشعوب بعيدًا عن المنابر السياسية، وتفتح آفاقًا رحبة للتواصل الإنساني تتجاوز حدود الجغرافيا. ومن خلال التعاون الدولي، والمعارض المتنقلة، وبرامج التبادل، تستطيع المتاحف أن تنقل رسائل الانفتاح والتنوع والتسامح.

فيما يقول الحاج محمد روزيني بن الحاج محمد داود، من قسم الآثار، بقاعة كنوز الإسلام، من بروناي دار السلام:

تمتلك كل دولة خصائصها الفريدة، سواء من حيث الثقافة أو التقاليد أو المعتقدات أو جمال بيئتها الطبيعية. وفي هذا السياق، تلعب المتاحف دورًا مهمًا في تقديم هذه الجوانب والتعريف بها، لا سيما في جذب اهتمام أكبر من قبل السياح. وأضاف: يمكن أن تسهم أساليب ووسائل متنوعة، بما في ذلك اختيار الموضوعات والمحتوى وتقنيات العرض والاستراتيجيات الحديثة المتماشية مع عصر التكنولوجيا الحالي، في تعزيز طريقة تقديم المعلومات وبالتالي زيادة تفاعل الجمهور.

وعن تجربة القاعة السلطانية في بروناي والمتعلقة بأهداف وصولها إلى الزائر قال:

تضم قاعة كنوز الإسلام السلطانية في بروناي دار السلام 9 صالات عرض، لكل منها مفهومها المميز. فهي تعمل على تعزيز العقيدة الإسلامية داخل البلاد. ويتضمن ذلك مبادرات مثل تشجيع قراءة القرآن الكريم من خلال توزيع مصحف بروناي دار السلام مجانًا، وتطوير خدمات المصارف الإسلامية.

وأضاف:

على سبيل المثال لا الحصر: جمال وتميز البيئة الطبيعية في بروناي دار السلام، يتجسد في القاعة السابعة، والتي تضم دلائل ضاربة في عمق التاريخ من خلال أنواع متعددة من الأحافير المكتشفة في بروناي، كل ذلك يأتي من خلال اشتغال بصري تقني نوعي نستطيع من خلاله إيصال فكرة الثقافة والحياة الاجتماعية والإنسانية.