تشير المصادر البحثية المتعلقة بالجوانب التاريخية إلى أن:
الفن الصخري في سلطنة عمان ينتشر في مناطق جغرافية متعددة، إلا أنه يتركز في بشكل أكبر في المناطق الجبلية، إذ يمتد من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبا، من خلال مدرستين مختلفتين، تقع الأولى في جبال حجر عُمان التي تمتد من رؤوس الجبال في مسندم إلى جبل قهوان في أقصى الشرق من جبال الحجر في جعلان، بينما المدرسة الثانية تقع في سلسلة جبال ظفار.
وهذا ما أكد عليه عدد من الباحثين المختصين في الشأن التاريخي، إذ أن فالمدرسة الشمالية يتم النقش فيها بطريقة الطرق أو الحفر على الصخر بينما المدرسة الجنوبية في النقش تمت برسمة الخط الواحد باستخدام عملية التلوين.

في هذا السياق يشير الباحث الدكتور سيف بن يوسف الأغبري إن:
هناك تشابه في النقوش الصخرية في بعض الأحيان بين الشمال والجنوب كما في نقش جعلان الذي اشتمل على حروف من اللغة العربية الجنوبية وفي سمد الشأن أيضا عثر على حروف من خط المسند الجنوبي. ويوضح قائلا: مثال على ذلك عثر الدكتورناصر الجهوري على نقش في وادي الجفر في جبل قهوان شبيه بنقش شنة، وما تشابه كتابات ظفار القديمة مع نقش شَنَة وكذلك نقش وادي الجفر في جعلان إلا دليل على أن هناك أبجدية عربية قديمة كانت حاضرة قبل العربية الحالية التي ظهرت بظهور الإسلام.
ووضح الأغبري إن:
الإنسان القديم حاول نقل تفاصيل حياته بكل دِقة إلى المتلقي من خلال الرسوم الصخرية، إذ تظهر الأسلحة الحربية (السيوف والرماح والدروع) بشكل واضح في رسوماته الصخرية. كذلك ظهرت (المصائد) في بعض الرسوم والتي تستعمل لصيد الحيوانات البرية، كما وجدت رسوم للأسلحة الحربية في مواقع مختلفة في شبه الجزيرة العربية، إذ ظهرت الأسلحة في رسوم ملونة للمبارزة بين اثنين يمتطيان الخيول ويحملان الرماح وظهرت السيوف والتروس في الرسوم الصخرية في وادي حضرموت باليمن.

وأشار من خلال حديثه:
أن إشارات للرسوم الصخرية بما فيها الرموز والتي تتجسد في أرقام أو حروف للأبجديات القديمة، وأخرى لها دلالات دينية في الحضارات القديمة الموجودة في شبه الجزيرة العربية، ومن هذه الرموز: النجمة، الثعبان، الوعل. أضف إلى ذلك، الكتابات، حيث ظهرت الأبجدية العربية في وقت متأخر بالنسبة إلى النقوش والرموز، لذلك فما نجده من كتابات صخرية تعتبر قليلة نسبةً إلى الرسوم والرموز. ومن الملاحظ وجود عدد من الكتابات الصخرية تعود إلى قرنين من الزمان تقريبا، توثق لأحداث وقعت خلال تلك الفترات، سواءً كانت هذه الأحداث والوقائع تتعلق بالجانب السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي.

وأشار الأغبري إلى:
تقنيات تنفيذ الفن الصخري، والتي أوضحت حاجة الإنسان القديم في التعبير عن مشاعره وتوثيق لحظاته، قال: عَمِد إلى الحجارة لينقش ويرسم عليها لوحاتها، مستعيناً بأدوات صلبة ومن تلك التقنيات، الطَرق، وهي ضربات متتالية ومتجاورة بواسطة طرف رأس الحَجَر الَّلب، ونظراً لسهولة هذه الطريقة نلاحظ انتشارها، ويبرز الخلاف في الجوانب الفردية للرسامين إذ نجد بعض الرسوم طُرقت بطريقة احترافية مراعية أدق التفاصيل، وبعضها الآخر يفتقر لهذا الحس الفني. بالإضافة إلى الحك، وهي عملية دَعْك سَطح الصَّخر الخشن بحّجَر صَلب أو بآلة حديدية كالمسمار أو السكين، وقد استعملت هذه الطريقة في عدة مواقع في عُمان.
أضف إلى ذلك التنقيط (الرسم النقطي): ومن المسمى يتضح أن المصطلح يشير إلى استعمال النقط في عملية الرسم، وفي هذه التقنية يتم رسم خط سير الحروف، بحيث تظهر نقط منفصلة متجاورة بواسطة أداة معدنية صلبة وحادة”، وعملية الحز وهو أحد أنواع الرسم، وما يميزه عن نظيره أن “خطوطه مستمرة، ويكون خفيفا فلا يغور في السطح الذي يتم حَزَّه. والكشط، فهو يمارس بواسطة أداة قطع، كحافة نصل أو شظية. والتلوين، حيث إن الرسوم الملونة متنوعة، وانطلاقا من مضمونها يبدو أن الرسوم الأكثر قدما يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، واستمرت حتى الفترات الأكثر حداثة، وذلك لأن البدو لا زالوا يرسمون بعض الرموز والعلامات باستخدام مادة الجير، أو المغرة (الصلصال الأصفر) أو الفحم.
ويذهب الأغبري للحديث عن أساليب تنفيذ الفن الصخري، فهو يعكس أسلوب تنفيذ الفن الصخري الطريقة المتبعة في منطقة جغرافية وفترة زمنية محددتين، وذلك من خلال التعرف على الخصائص المميزة لذلك الفن الزمني حسب اختلاف المكان والزمان، كما يرى الراصد أن الرسوم الصخرية بشكل عام تتبع أسلوبين مختلفين هما: الأسلوب المثالي أو الرمزي وهو الأسلوب الأقدم، ويندرج ضمن هذا الأسلوب رسوم عصر الصيادين، والرؤوس المستديرة، ويرى أنصار هذا الأسلوب أن رسوم الإنسان البدائي ذات دلالات رمزية، بالإضافة إلى الأسلوب الواقعي أو الطبيعي، وهو الأسلوب الأحدث زمنياً، وتُحدد بدايته بأواخر العصر الحجري الحديث، ويستمر حتى فجر التاريخ.
ويرى الأغبري أن:
هناك نماذج لتنفيذ الفن الصخري، وهي التي تم تنفيذ الرسوم الصخرية بها، حيث اختلاف أشكال الرسوم الصخرية الموجودة في منطقة الدراسة، إذ أن كل نموذج له خصائص معينة تميزه عن النموذج الآخر.
ويتحدث الباحث في التاريخ العُماني الدكتور حبيب بن مرهون الهادي، عن الأدوار التي يقدمها الفن الصخري من خلال المواقع في تقديم رؤية عن أنماط الحياة القديمة في عُمان، ويقول: أن شواهد الفن الصخري هي واقع رمزي تكشف تكيّف الإنسان في عُمان مع محيطه وثقافته المجتمعية. تتجسد أهمية التأريخ الصخري في رصد العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وهناك من يشير إلى أن معظم فن العصر الحجري ذو مغزى سِحري جاء من عقيدة دينية، فالفن الصخري بلا شك كان مرتبطا بالعقيدة والدين وذلك لاهتمام تلك المجتمعات به خاصة الطبقة الحاكمة والطبقة الدينية، ومن أهم الصعوبات التي تواجهنا في محاولة التعرف على دلالات ومعاني الفن الصخري أن بعض رسامي العصر القديم كانوا بخلاء جدا في الرسم والتمثيل لدرجة أنهم تركوا أشكالا شديدة النمطية، والتجريد، وذات أبعاد هندسية غامضة.وعلى الرغم من أن فن الرسم قيمة جمالية وإبداع، فإنه قد يبرز العلاقة بني مكونات المشهد ويوضحها، ومن ناحية أخرى، يجسم التفاعل بني المكونات، ويطرح رؤية مرئية لم تلتقطها العين المجردة في الواقع والطبيعة، وفن الرسم يقدم القيمة البيئية، والجغرافية، والمساحية مجسمة. فالفن في عمومياته ما هو إلا منظار لواقع المكان والزمن”.

ويوضح الهادي:
وفي العشرينيات من القرن الماضي أشار الرحالة وعلماء الآثار إلى وجود الأبجدية العربية القديمة في مناطق مختلفة بسلطنة عمان إلا أنهم وجدوا حروف جديدة لم توجد في مناطق أخرى من الجزيرة العربية وهي ما عرفت لاحقا بالأبجدية العمانية أقدمها تلك التي عثرت عليها البعثة الفرنسية الإيطالية عام 1985م في رأس الجنز بولاية صور وهي عبارة عن حجرين صغيرين من الحجر الصابوني، موضحا أن اللغة العربية الحالية فيها 28 صوتا متمثلة في 28 حرفا، وأن الأبجدية الثمودية تمثل العدد ذاته28 صوتا وأيضا خط المسند الجنوبي؛ بينما الأبجدية العمانية يوجد فيها 33 حرفا. الالتقاء الكبير بين حروف موقع شنة وبين الكتابات العربية الجنوبية القديمة، إلّا أن هناك الكثير منها يتوافق مع الفينيقية والسينائية والثمودية.

ويشير الهادي إلى:
الحقب التاريخية التي وثقها الفن الصخري من حيث الدلالات التاريخية والرموز ويؤكد: أشارت العديد من الدراسات التي أجريت حول مكتشفات الفن الصخري في سلطنة عُمان إلى تحديد الفترة الزمنية لتلك المكتشفات، حيث أشار عند اكتشافه رسما صخري قرب حصاة بن صلت بولاية الحمراء إلى أن خصائص هذا الرسم من مميزات رسوم العصر الحجري الحديث، أو ما يسمى بالعصر النيوليثي (9000- 4500) قبل الميلاد، إذ تتميز الرسوم الصخرية في هذا العصر بالواقعية من حيث أحجامهاالتي تكون قريبا ومماثلة أو محاكية للواقع.
وقريبا من هذه الرسوم توجد رسوم صخرية في وادي غول تعود إلى فترة أقدم من الألف الثالث قبل الميلاد، وامتداداً إلى الفترة الإسلامية.
كما أشارت الدراسات الأثرية إلى أن:
عُمان تحتضن نوعين من الكتابات المسندية وقد كتبت منذ القرن الثالث قبل الميلاد إضافة إلى ذلك فقد أشار الباحث الإيطالي فوساتي إلى أن أغلب مشاهدات الفن الصخري في عمان يعود إلى فترة القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي.
ويضيف:
النقوش الصخرية التي اكتشفت بسيح السعد بجعلان بني بو حسن – التي تقع بالقرب من الأحجار الثلاثية بالولاية نفسها – فقد أرخت لفترة ما بين حوالي القرن الأول قبل الميلادي إلـى الـقـرون الأولــى الميلادي من خلال تحليلها بواسطة (كربون 14) إلى أن هذه المواقد تميزت بطبقات حرق وهذا يعطي بعضا من الدلالات حول التأريخ الزمني لتلك الكتابات المنتشرة بالقرب من هذا الموقع الأثري.
وفي مشروع نقوش ظفار تم التوصل إلى أن:
كل النقوش هي أشكال من الكتابة السامية الجنوبية القديمة التي كانت تستعمل في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، وبالتالي ربما كتبت قبل حوالي 2000 عام وفي الغالب نجد بأن تطور الرسوم الصخرية تنتهى بظهور الكتابة عندما استطاع الانسان أن يكتشف الكتابة من خلال تلك الرسوم، بحيث يختزل الرسم الكبير في إشارات ورموز معينة حتى وصل في نهاية المطاف إلى الترميز بحرف ما يمثل حيوانا أو نباتا أو غيره، بينما تعود أقدم كتابة بالعربية الحالية عثر عليها في عُمان إلى القرن الثالث الهجري وكاتبها شاذان بن مالك.

كما يتحدث سليمان بن صالح الراشدي وهو باحث في العلوم الوثائقية إذ يشير إلى تفاعل الإنسان في عُمان قديما مع محيطه الطبيعي الاجتماعي والثقافي من خلال هذا الفن: استطاع الإنسان في عُمان التأقلم مع الوضع السائد خاصة فيما يتعلق بالطقس الحار وعمل جاهدا على بناء حضارة على أرضه، وما هذه الآثار إلا شاهدا على ذلك العطاء منذ العصور القديمة وإلى اليوم، فبنى المدرجات الجبلية وشق الأفلاج والآبار ليستقر في الواحات الزراعية والسهول الواسعة واتجه إلى البحار متاجرا وصائدا.
وتطرق الراشدي إلى:
أهمية استدامة الفن الصخري، نظرا لما تتضمنه المواقع التاريخية من لوحات صخرية لرسومات ونقوش ومنحوتات وكتابات في الملاجئ الصخرية والكهوف والسلاسل الجبيلية ومجاري الأودية وغيرها، ممثلة تراثا روحيا وثقافيا ومعرفيا غنيا للحضارة البشرية بشكل عام. بالرغم من أهمية الفن الصخري إلا أن كثيرا من مواقعه تتعرض إلى مخاطر تهدد بقاءه واستمراره، سواء كانت تلك المهددات والمخاطر طبيعية كعمليات التعرية والتجوية والاتربة وجريان المياه وتأثر العواصف والأعاصير وغيرها، أو مهددات بشرية كإقامة المشاريع الإنشائية والتوسع في المجمعات السكانية.

ويوضح قوله:
يمكننا أن نورد مجموعة من المبادئ لتمثل أساس استدامة الفن الصخري، والتي من أهمها: الاهتمام بالفن الصخري باعتباره قيمة تراثية مهمة لجميع فئات المجتمع، وتخصيص موارد كافية، وإيجاد منظومة متكاملة لإدارة مواقع الفن الصخري، وحماية جميع مكوناته، مع النظر إلى الفن الصخري باعتباره جزءا من المشهد الثقافي للمجتمع ومكملا للمناظر الطبيعية المهمة، واعتبار الفن الصخري من الكنوز الثقافية التي تتطلب ايجاد قانون ينظم عملية التعامل معه وصونه والحقوق والممارسات الثقافية التي ترتبط به، وإشراك المجتمع المحلي وتمكينه في إدارة الفن الصخري والحفاظ عليه وتوعيته بما يؤدي إلى استدامته.
ويبيّن أن:
المؤسسات الرسمية في سلطنة عُمان سعت إلى إبراز تاريخها الحضاري من خلال الفن الصخري سواء كان ذلك عن التنقيب عن الآثار المتمثلة في الفن الصخري، إضافة إلى رسم خطط وخرائط مستقبلية للبحث والتنقيب والتنسيق مع مختلف البعثات، وإقامة دورات متعددة في هذا المجال، مع العمل على إيجاد سلسلة دراسات فـي مجــال الآثار والتاريخ القديم، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم اصدار 5 مجلدات تأريخية تمثل حصيلة المسوحات وأعمال التنقيب التي يتم إنجازها في مناطق متعددة من سلطنة عُمان. وأشار الراشدي إلى أهمية حماية الفن الصخري كتراث يسهم في جذب السياحة والاستفادة منه في رفد الاقتصاد الوطني من خلال التوعية المجتمعية، وإيجاد رؤية لاستدامة الفن الصخري كمواقع سياحية، مع استثمار الفن الصخري في مجال التعليم، من خلال تضمين بعض جوانب الفن الصخري في مقررات دراسية مرتبطة بمادة التربية الفنية، للإفادة من جماليات هذا الفن.

وأشار إلى أن:
للفن الصخري بسلطنة عُمان بكل مكوناته من رسومات ونقوش وكتابات عربية قديمة وحديثة ورموز وحروف دوراَ ملموساَ في صناعة السياحة التراثية، كما أن انتشار مقاطع وصور للفن الصخري بوسائل التواصل الاجتماعي أعطى فرصة لبروزه ودوره في الجذب السياحي فيما يمكن تسميته بالسياحة التراثية.