تشهد سلطنةُ عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية علاقات استقرارٍ وتوافقٍ في الرؤى والمواقف تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتعاونًا عميقًا بين الجهات الحكومية والخاصة بالبلدين في مختلف المجالات منها الطاقة والطاقة المتجدّدة والتعدين والصناعة والبتروكيماويات والإنتاج الدوائي والنقل واللوجستيات والأمن الغذائي والزراعة الصحراوية.
وتعمل سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين في ظل قيادتيهما الحكيمتين لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظهُ اللهُ ورعاه ـ وفخامة الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة، الذي يبدأ زيارته الرسميّة لسلطنة عُمان غدًا الاثنين.
ومن المؤمّل أن يتم خلال الزيارة بحث التعاون المشترك بين البلدين في مجالات الاستثمار والطاقة والتعدين والفرص الواعدة وإمكانية إقامة مشروعات مشتركة.
وتعدّ العلاقة بين البلدين الشقيقين متجذّرة، حيث قام جلالةُ السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيّب اللهُ ثراهُ ـ بزيارة إلى الجزائر في عام 1973م أسهمت في تعزيز الروابط بينهما، وزار الرئيسُ الجزائري الرّاحل الشاذلي بن جديد سلطنة عُمان في عام 1990م، وهي زيارة تاريخيّة عزّزت العلاقات الثنائية بين الجانبين.
وفي يناير 2020م، قدّم رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بن جراد واجب العزاء في وفاة المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، ما عكَس عمق العلاقات والتقدير المتبادل بين البلدين.
ويتطلع البلدان من خلال اللجنة المشتركة بين حكومة سلطنة عُمان وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية التي تأسست في 23 فبراير 1991م إلى دور أكبر في تطوير التعاون بينهما خاصة في مجالات الطاقة، والطاقة المتجدّدة، والتعدين والصناعة والبتروكيماويات، والإنتاج الدوائي، والنقل واللوجستيات، والأمن الغذائي، والزراعة الصحراوية، والصناعات الغذائية والتحويلية، والأسمدة، وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة خاصة وأنه تم التوافق في الاجتماع الذي عقد في يونيو 2024م في الجزائر على إعداد تصور لإنشاء صندوق استثماري مشترك في مختلف القطاعات.
وتزامنًا مع عقد الدورة الثامنة للجنة المشتركة، أقيمت ندوة لأصحاب الأعمال العُمانيين والجزائريين بمشاركة جهاز الاستثمار العُماني وعدد من الرؤساء التنفيذيين وأصحاب الأعمال العُمانيين ونظرائهم من الجانب الجزائري وصالة استثمر في عُمان، حيث تم خلالها الاطلاع على الفرص الواعدة في البلدين وعقد لقاءات B2B لبحث إمكانية إقامة مشروعات مشتركة والاتفاق على عدد من التوصيات ومتابعة تنفيذها.
وقد بلغ حجمُ التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية حوالي 41 مليون ريال عُماني حتى نهاية عام 2023م، وهو رقم يعكس مستوى جيدًا من التعاون التجاري مقارنةً بالدول العربية الأخرى في شمال إفريقيا، ويُعدّ حافزًا لمزيد من النمو والشراكة في مختلف المجالات الاقتصادية، وبلغ إجمالي صادرات سلطنة عُمان إلى الجزائر حتى نهاية شهر يوليو 2024م ( 37.348.252 مليون ريال عُماني) فيما بلغت قيمة واردات سلطنة عُمان من الجزائر خلال نهاية يوليو 2024م (509.272 ألف ريال عُماني)، وقيمة إعادة التصدير إلى الجزائر حتى نهاية الشهر نفسه (375.063 ألف ريال عُماني)ومن أبرز هذه المشروعات، مشروع التعاون الاقتصادي بين الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات “سوناطراك” ومجموعة بهوان لإنتاج الأمونيا واليوريا في منطقة أرزيو بولاية وهران ويبلغ إجمالي الاستثمارات فيه حوالي 3 مليارات دولار أمريكي، مع مساهمة قدرها 51 بالمائة لمجموعة بهوان.
ويُعدّ هذا المشروع الأهم في الشراكة الاقتصادية بين سلطنة عُمان والجزائر، ويعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون في مجالات الصناعة والطاقة، بالإضافة إلى أنه تُبذل حاليًّا جهودٌ لدخول شركتي “أبراج” و”أوكيو” في مشروعات استثمارية كبرى في قطاع الطاقة بالجزائر، ما يعزز فرص التعاون الاستراتيجي بين البلدين ويفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية المشتركة في هذا المجال الحيوي.
وتعمل سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بما في ذلك استكشاف مجالات الاستثمار والطاقة والتعدين وصناعة الأدوية لما يشهده القطاع الصيدلاني في الجزائر من تطور ملحوظ، حيث كانت الجزائر في السابق تغطي فقط بين 15 بالمائة و 20 بالمائة من احتياجاتها من الأدوية، إلا أن هذا الرقم ارتفع حاليًّا إلى حوالي 80 بالمائة، ما جعلها من الدول المصدرة للأدوية المتقدمة مثل الأنسولين، ويشكل هذا القطاع فرصة واعدة للتعاون بين سلطنة عُمان والجزائر، حيث يمكن لسلطنة عُمان الاستفادة من الخبرات الجزائرية في تطوير الصناعات الدوائية وتوسيع الأسواق التصديرية.
وفي الجانب الزراعي تعد الفلاحة الصحراوية في الجزائر من القطاعات ذات النمو الواعد حيث تمت تهيئة 3 ملايين هكتار للزراعة على المدى البعيد، ويهدف المشروع الحالي إلى زراعة مليون هكتار، وتتميز المنتجات الزراعية في الصحراء الجزائرية بالجودة العالية، أما الأسمدة التي تمثل مادة استراتيجية للاقتصاد الجزائري، فإن الجزائر تصدر كميات منها إلى الدول الأفريقية، إضافة إلى مشروع ضخم لإنتاج الفوسفات، ما يجعلها من أكبر منتجي الفوسفات في العالم بإنتاج سنوي يصل إلى 1.5 مليون طن.
وفي مجال الطاقة المتجدّدة – أحد المجالات الواعدة للتعاون بين البلدين – بدأت الجزائر أخيرًا بتنفيذ مشروعات كبرى في هذا المجال بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ويمكن للبلدين تبادل الخبرات والتقنيات في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستكشاف فرص الاستثمار المشترك في هذا القطاع الحيوي، الذي يمثل أحد أبرز الحلول المستقبلية لتلبية احتياجات الطاقة المستدامة.
وفي الجانب الثقافي والعلمي، فقد قدمت الجزائر لأول مرة هذا العام 10 منح دراسية للطلبة العُمانيين نتيجة اجتماع افتراضي بين دوائر التعاون الدولي في وزارتي التعليم العالي في البلدين، وفي الجانب المقابل يقدم البرنامج العُماني للتعاون الثقافي والعلمي 3 مقاعد دراسية للطلبة الجزائريين، موزّعة بين بعثتين ومنحة دراسية واحدة.
ويجري حاليًّا تطوير البرنامج العُماني ليشمل زيادة عدد المنح الدراسية المخصصة للجزائر إلى 10 منح دراسية جديدة.
ويقدر عدد أفراد الجالية الجزائرية في سلطنة عُمان حتى منتصف عام 2024م حوالي (2469) شخصًا منهم حوالي 400 مهندس وفني في قطاعات النفط والطاقة.
وقال سعادة السفير سيف بن ناصر البداعي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء العُمانية:
“إن العلاقات بين البلدين الشقيقين متجذرة تاريخيًّا ولديهما رؤى وتنسيق سياسي عالٍ خاصة في القضايا العربية وقضايا السلم العالمي، لكن لم تلتئم الظروف المناسبة لتحقيق هذه الخطوة من قبل، لذلك يُمكن وصف هذه الزيارة الأولى من نوعها بـ “الزيارة التاريخية” لتعزيز العلاقات الثنائية مستقبلاً، وستفتح آفاقًا كبيرة بفضل توجيهات قيادتي البلدين الشقيقين لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم وفخامة الرئيس عبد المجيد تبون – حفظهما الله ورعاهما – وحرصهما التام على الارتقاء بالشراكة الثنائية إلى آفاق أرحب”.
وأضاف سعادته:
منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بداية سبعينيات القرن الماضي وهي في تطور مستمر، حيث وقّعت اتفاقية تأسيس اللجنة المشتركة بين حكومة سلطنة عُمان وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وتم عقد 8 دورات آخرها كان في العاصمة الجزائرية في شهر يونيو الماضي وبفضل الجهود المشتركة كُللت تلك الدورات بالتوقيع على 27 اتفاقية شملت تقريبًا كل المجالات الحيوية، ما يعزز شراكة البلدين بشكل أفضل ويجعل الرؤية المستقبلية أكثر وضوحًا لتأطير وتطوير فرص التعاون الثنائي في مختلف المجالات ومن أبرز الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات (2000م) واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي بالنسبة لضريبة الدخل (2000م) واتفاقية تأسيس مجلس رجال الأعمال العُماني – الجزائري (2006م) واتفاقيات أخرى هامة هي حاليًّا قيد التباحث بين وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ونظيرتها الجزائرية.
وأشار سعادته إلى أن:
هذه الزيارة ستمنح دفعًا مميزًا للعلاقات بين البلدين بما يخدم الشعبين الشقيقين، لأن مجالات التباحث لتعزيز التعاون الثنائي واسعة جدًّا وسلطنة عُمان والجزائر لديهما مميزات وفرص ورؤى يمكن أن تتقاطع في نقاط أساسية وتكون محور نقاش قيادتي البلدين الرشيدة ومشروع شراكة بنّاءة.
وبيّن سعادته أن:
في شهر يوليو 2024م أعلن عن تقدم التباحث لإنشاء مصنع “هيونداي” في الجزائر، ويهدف المشروع لإنشاء خط لصناعة هياكل المركبات وخط خاص بعمليات الدهن، ومن المزمع أن يُنتج المشروع في مراحله الأولى ثلاث طرازات من السيارات السياحية وطرازين من السيارات النفعية وطراز واحد من السيارات الكهربائية.
كما أن:
عدد الشركات المسجلة في سلطنة عُمان التي بها مساهمة جزائرية حتى نهاية عام 2023م بلغ (423) شركة مقابل (251) شركة في عام 2022م أي بنسبة نمو بلغت (68.5 بالمائة) وتعد هذه المؤشرات إيجابية للشراكة الاقتصادية.
اختتم سعادة السفير سيف بن ناصر البداعي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، حديثه، قائلًا:
إن الثقافة هي جوهر الرؤية العُمانية، وحريصون على أن نضع تواجد سلطنة عُمان في كل الصروح والفضاءات الثقافية الجزائرية كأحد أهم أهدافنا، لذلك سعينا أن يُخصص ركن خاص لها في مكتبة “جامع الجزائر” الصرح الثقافي والديني المميز الذي افتتح هذا العام ولتجسيد ذلك قدمت سلطنة عُمان مؤخرًا هبة من الكتب القيمة التي رحّب بها عميد جامع الجزائر الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسني شخصيًّا، وحرصنا على أن توضع الموسوعة العُمانية هذا العام أيضًا على رفوف مكتبة المجلس الأعلى الجزائري للغة العربية، وسبق للسفارة أن ساهمت في تخصيص فضاء للكتاب العُماني باختلاف مشاربه في المكتبة الوطنية الجزائرية، وهذا قد يفتح آفاق التحضير لـ “أيام عُمانية” في الجزائر، فالثقافة “همزة وصل” أساسية بين الشعوب.